مع بدء انحسار موجة متحور كوفيد- 19 «أوميكرون»، هناك شيء يبدو واضحاً جداً: فبعد مروره، سيكون عدد الأميركيين الذين ما زالوا «ساذجين مناعياً» إزاء كوفيد- 19، أي أنهم لم يصابوا به من قبل أو يتلقوا اللقاح ضده – سيكون صغير جداً. صغير إلى أي حد؟

حسب تقديراتي التقريبية، 1.8٪ من الأميركيين، أي حوالي 6 ملايين شخص، لن يتلقوا اللقاحات أو يصابوا بكوفيد في غضون شهر أو شهرين من الآن.

هذه النتيجة توصلت إليها عبر أخذ تقديرات من موقع covidestim.org للإصابات التراكمية بكوفيدـ 19 في الولايات المتحدة حتى 19 يناير (257.5 مليون) وتقديرات «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» لعدد الأميركيين الملقَّحين بشكل كامل ضد كوفيد (209.5 مليون) والقيام بعدد من الافتراضات، الملتوية شيئاً ما أحيانا، ولهذا، فإنني لن آخذ النسبة المئوية الدقيقة على محمل الجد أكثر مما ينبغي.

ولكن من الواضح أن الأمر لا يتعلق بعدد كبير جداً من الأشخاص. هذا لا يعني أن الساحل سيصبح خالياً من الوباء بعد فبراير المقبل مثلاً. ذلك أن متحوراً ما قد يقلب حسابات الجميع تماماً مثلما فعلت متحورات«دلتا»و«أوميكرون» من قبل، ثم إن حتى كوفيد-19، سيظل مميتاً للكثيرين. في أكتوبر الماضي، وقبل ظهور «أوميكرون»، قام عالم الأحياء الحاسوبية «تريفور بدفورد» من «مركز فرد هاتشنسون لبحوث السرطان» في سياتل بنمذجة ما سيكون عليه شكل حصيلة كوفيد-19 في الولايات المتحدة بعد تعرض كل من هم فوق سن الثلاثة أعوام للفيروس أو تلقيهم اللقاح.

فكانت تقديراته هي: 40 ألفاً إلى 100 ألف وفاة في السنة، أي أسوء شيئاً ما من الإنفلونزا الموسمية، وإن كان من الواضح أنها تقع ضمن النطاق نفسه. غير أنه وكما أشار كثير من الأشخاص في ربيع 2020 أثناء تقليلهم الجامح من شأن التهديد الذي يطرحه كوفيد- 19، فإننا لا نعمد إلى غلق البلاد بسبب الإنفلوانزا الموسمية. وعليه، فإن نهاية «السذاجة المناعية» تجاه كوفيد-19 في الولايات المتحدة ينبغي أن تغيّر طريقة تفكيرنا بشأن المرض والسياسات التي ينبغي أن نضع من أجل إدارته. بعض التغيرات البديهية لها علاقة بالتلقيح.

فقد كان هناك الكثير من الحديث العام الماضي، وبعضه من الرئيس جو بايدن، حول كيف أن كوفيد- 19 أضحى «وباء غير الملقَّحين». والواقع أن هذا الكلام لا يخلو من بعض الصحة: ذلك أنه من أبريل إلى أوائل أكتوبر، كانت 79في المئة من الوفيات الناجمة عن كوفيد-19، والتي كانت لقاحها متاحاً (و92% بالنسبة لمن هم دون سن الـ65) بين غير الملقَّحين، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض.

غير أن «وباء الساذجين مناعياً» كان سيكون أكثر دقة. فقد وجدت دراسة لمراكز السيطرة على الأمراض صدرت هذا الأسبوع أنه إذا كان الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح أو أصيبوا بكوفيد- 19 من قبل هم الفئة الأكثر هشاشة وعرضة للإصابة بالفيروس ودخول المستشفى بسبب متحور «دلتا» الصيف والخريف الماضيين، فإن الإصابة السابقة بالفيروس بدا أنها توفر حماية أكبر من تلك التي يوفرها التلقيح. ولكن دراسة سابقة لـ«مركز السيطرة على الأمراض»، كانت قد وجدت نتيجة عكسية مع كوفيد-19 خلال مرحلة ما قبل «دلتا»، وفضلاً عن ذلك، يقول محلل «بلومبيرغ إنتيليجنس» سام فازيلي إن ثمة دلائل ناشئة على أن اللقاحات تحمي بشكل أحسن من أعراض أوميكرون الشديدة مقارنة مع الإصابة السابقة بالفيروس.

ولكن من الواضح أن كليهما يوفران مناعة مهمة، وعندما يكون لدى الجميع تقريباً في الولايات المتحدة أحدهما أو كليهما، يصبح بذلُ جهد كبير في سبيل تمييز غير الملقَّحين عن الملقَّحين أمراً معقولاً ومنطقياً جداً. وعليه، فإن تشجيع التلقيح سيظل مهماً للغاية. والحق أنني لستُ عالِمَ أوبئة ولا عالم مناعة ولا خبيراً من أي نوع، ولكنني أصبحتُ مطلعاً على بيانات الوفيات الأميركية والأجنبية على مدى الـ22 شهراً الماضية، والشيء الذي يلفت الانتباه في الأرقام الأخيرة، هو مدى سهولة إيجاد أدلة على تأثير اللقاحات المنقذ للحياة حتى عندما لا تكون بصدد البحث عنه.

ولئن كانت اللقاحات التي طُورت حتى الآن أقل فعالية في الوقاية من انتقال العدوى مع ظهور كل متحور جديد، فإنها فعالة على نحو لافت في الوقاية من المرض الشديد والموت. وعليه، فإن تلقي الجرعات المعززة واللقاحات المحدثة سيكون أساسياً من أجل خفض حصيلة وباء كوفيد-19 بالتوازي مع التلاشي التدريجي، للمناعة التي توفرها اللقاحات وحالات الإصابة السابقة بالفيروس. وإذا ابتكر العلماء لقاحاً فعّالاً ضد جميع أنواع فيروس كورونا يقضي على الفيروس بشكل كامل، فربما نستطيع حينها دفع «كوفيد-19» من وضع الوباء إلى وضع المرض النادر.

ولكن في الأثناء، بدأت مطالبة مرتادي المطاعم وقاعات السينما بتوفير أدلة على تلقي اللقاح، تبدو أشبه بالإجراءات الأمنية المتبعة في المطارات منها بإجراء مفيد للصحة العامة. أما بالنسبة لإلزامية التلقيح المفروضة من قبل المشغِّلين، فقد نجحت العام الماضي في جعل كثير من الأشخاص يتلقون اللقاح وبالتالي إنقاذ كثير من الأرواح، وستظل حلاً معقولاً ومنطقياً في بعض القطاعات. ولكن معظم ثمار تلك المقاربة جُنيت، وخاصة الآن بعد أن عارضت المحكمة العليا مخطط الرئيس لفرض الإلزامية على القطاع الخاص. ولا شك أن منع لاعب كرة السلة «كايري إفينغ» من لعب مباريات لفريق «بروكلين نيتس» على أرضه لا يوفر حماية لأي شخص في هذه الأثناء. وشخصياً، أجدُ صعوبة كبيرة في تصور أنه يقنع أي شخص بتلقي اللقاح.

*كاتب وصحافي أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»